” الحضارة الإنسانية كلٌّ متضامن عبر إرادة لا شخصية غياتها الكمال الذاتي”
إن التأسيس لنظرية ما رهانٌ يكسب راهنيته من مدى كون تلك النظرية قد عبرّت عن حقيقة انسانية متجاوزة أطر الزمكان عبر عموميتها، ومعبرّة عن الوقائع الجزئية بشكلٍ كلّيٍ من خلال كليتها ، لتكتسب بآن واحد خاصيتين متضادتين ومتضايفتين هما التفرّد والموضوعية، إنها متفرّدة لاتساقها الداخلي وتمايزها عن كل ماسبقها، وموضوعية لأنها تشتمل على القانونية التي تحكم الوقائع الفردية وتستوعب مجمل النظريات بتلافي ثغرات أوجدتها عبر منظومة مفهومية تماثل الواقع بالتعبيرعما وقع فعلاً وتستشرف المستقبل على قدر إبداعيتها..
فالنظرية لا تدّعي لنفسها ولا ينبغي لها، إنما تقدم الرؤى على محكي الواقع والوعي وبقدر قدرتها على تمثّل الواقع واستشراف مستقبله الزماني تجد لنفسها حضوراً في الوعي الانساني ، لذا نجد أفكاراً ورؤى تجاوزت زمانية أصحابها لتغدو حقائق إنسانية عبر راهنيتها عبر العصور.
ولعلّ فضيلة الفلسفة الكبرى تتمثل في شمولية موضوعاتها وراديكالية رؤاها ، تلك الفضيلة ما لبثت أن تغدو مقتلها وسّر تقهقرها وذلك أمام التطور الخلاّق الحاصل في مضمار العلوم الجزئية والتخصصية .
لذا لا يخلو البحث الفلسفي في مواضيع شمولية وعامة من قبيل الحضارات البشرية وعلاقاتها من مجازفة.. مجازفة مشروعة من الوجهة العقلية ومغامرة غير مضمونة النتائج رغم الثقة الصوفية بجِدّة الرؤيا وقدرتها على تمثّل الوقائع الفردية التي تكاد لا تُحصر.. لتستشرف مستقبل الحضارة الإنسانية .
إذ تعتمل في الدراسات الحضارية التي تتناول تاريخ الحضارات والعلاقات القائمة فيما بينها، ثمة فرضية عامة تُنظّر للعلاقة بين أمم وشعوب الأرض عبر تاريخها الطويل على أنها صراع دائم، سواء مرد هذا الصراع إرادة الحكام أو الشعوب أو الإيديولوجيات أو الحضارات كما ذهب صامويل هنتنجتون في مؤلفه الشهير صراع الحضارات، ولست بصدد تفنيد ونقد ما جاء به هنتنجتون كما دأب كثير من الباحثين والمفكرين ، بقدر ما سأعمد في دراستي هذه على تقديم رؤيا قد تكون جديدة في مضمار فلسفة الحضارة والدراسات المستقبلية قائمة أساساً على فكرة التفاعل الحضاري باعتبارها العلاقة القائمة أولاً بين حضارات وممالك ودول قوية”اقتصادياً ـ عسكرياً ـ علمياُ” وأخرى ضعيفة ، و ثانياً بين حضارات متقاربة حضارية في القوة والتطور، إذا يتبدّى لكل دارسي تاريخ الامم والدول والحضارات أن في أعمه وغالبيته القصوى ثمة صراعاً جلياً وحروب فتاكة شكلت بنية وفحوى التاريخ البشري، إلا أن تلك الحروب والصراعات تخفي في سياق صيرورتها التاريخية ..إرادة كلية لا شخصية للحضارات الإنسانية قائمة على الترقِّي النسبي في العلاقات بين الأمم والدول والحضارات، إنها إرادة فوق الإرادات الشخصية لأبطال التاريخ وصانعي حروبه تعبّر عن تضامن البشرية مع ذاتها، في صيرورة لا جدلية أسميها المتوالية التاريخية الحضارية، متوالية ليست حسابية مطردة عبر الزمان كما وليست بدائرية مغلقة، إذ تعتمل في بنية الأحداث التاريخية فتخلق الوقائع التي من شأنها أن تحدد أنماط التفاعل الحضاري بين أمم وحضارات الأرض كما وتحدد السياق النظري لتطور هذه الأنماط ، بهذا المعنى أن الانتقال بين أشكال الصراعات في تاريخ البشرية يتم وفق هذه المتوالية اللاجدلية [2]، عبر مقولتين تأسيسيتين هما التاريخية التي تحدد شكل الصراع بخلق مجموعة من الشروط والأحداث التاريخية في عصر من العصور، وفي سياق تخلّق الشروط والأحداث التاريخية عبر فترات زمانية متباينة تعتمل مقولة الحضارية إذ في الانتقال من شكل صراع لآخر يحدث ترقّيٌ نسبيٌ في شكل الصراع وطبيعته، وكذا ثمة ترّقي في نمط صراع واحد عبر فترتين زمانيتين متباينتين، وبذلك تكون العلاقة بين التاريخية والحضارية هي علاقة تضايف إذ ثمة تلازم منطقي لوجودهما، مع وجود أسبقية وجودية لمقولة التاريخية على الحضارية بهذا المعنى تمثّل مقولة الحضارية السياق المنطقي الذي تخلق وفقه مقولة التاريخية شروطها ووقائعها.
وفق هذا المنظور فإن العلاقة بين الأمم والحضارات[3] هي علاقة تفاعل حضاري تنتظم في نمطين أساسيين:
أولاً: نمط الاحتواء الحضاري
ثانياً: نمط تلاقح الحضارات
أولا ـ نمط الاحتواء الحضاري: يكون هذا النمط من التفاعل الحضاري بين حضارة تمتلك مقومات القوة تسعى لاحتواء حضارة أضعف منها، هذا الاحتواء يتبدى في كثير من الأحيان بهيئة صراع وحروب مباشرة أو غير مباشرة ويتجلى في ثلاثة أشكال .
أـ حروب وصراعات الاحتواء الكلي.
ب ـ صراعات الاحتواء الايديولوجي.
ج ـ صراعات الاحتواء القيمي الأخلاقي.
أـ حروب وصراعات الاحتواء الكلي:
تعتبر القوة بمفهومها الشامل المبدأ الجذري في صراعات الاحتواء الكلي، إلا أنها تتمظهر وفق مبادئ متباينة تاريخياً، ففي حين تكون القوة هي شعار المرحلة البدائية وقيمتها المثلى التي تمنح التبريرات المعيارية لغزو الآخر الضعيف تكون في المرحلة الحديثة مبدأ خفياً يتمظهر في مبدأ آخر إنه مبدأ المصلحة.. مصلحة الأقوى، ومن ثم ما تلبث أن تتمظهر في إيديولوجيا ناشئة تمثل تجسيداً نظرياً للقوة ذاتها، وبذلك إن حضور القوة وفعاليتها في صراعات الاحتواء الكلي يختلف من مرحلة تاريخية إلى أخرى إذ تفقد القوة من مشروعيتها الحضارية في غزو الآخر ليحل مكانها نظرياً مبدأ المصلحة أو الإيديولوجيا، فتارةً يغيِّر مدى حضور القوة في شكل الصراع [4] ، وتارةً يغير هذا الحضور ـ حضور القوة ـ في المستوى الحضاري للاحتواء الكلي ذاته [5].
وفق ما تقدم تنقسم مرحلة صراعات الاحتواء الكلي إلى ثلاث مراحل :
1ـ مرحلة الاحتواء الكلّي البدائية :
وهي شكل الصراع الأولي زمانياً[6] وحضارياً، إنها تجسيد أمثل لسطوة القوة في التاريخ البشري وغلبة مبدأ البقاء للأقوى، إنها أي ـ القوة ـ تمثل في آن واحد مبرراً معيارياً لغزو القوي للضعيف واحتوائه كلياً، وكذلك تعد موجهاً ودليلاً لنشوء حضارات جديدة تمتلك مقومات القوة واندثار أخرى بدأت تفتقر لتلك المقومات ولو لفترة تاريخية ليست بدائمة. تتمثّل تاريخياً في صراعات وحروب القبائل والإمارات و الممالك و إمبراطوريات ماقبل الدول القومية وفي الغزو الأوربي للقارتين الأمريكيتين وفي عدد من الحروب الأهلية التي حدثت فيها إبادات جماعية كالحرب الأهلية في راوندا وفي البوسنة ، وتعبّر عن مرحلة حضارية عاشتها البشرية جمعاء أسميها حضارة القوة إذ أن القوة هي شعار تلك المرحلة وخالقة القيمة فيها ، إنها تمنح التبرير النظري للعلاقات بين الأفراد والأمم والحضارات، إذ يكفي أن تمتلك قبيلة ما أو مملكة ما مقومات القوة “عسكرية ـ إقتصادية …” حتى تغزو ممالك وقبائل في طور الضعف والانحطاط دونما مسوغ نظري إيديولوجي وأخلاقي لهذا الغزو.
بهذا المعنى تتميز هذه المرحلة من تاريخ صراع الاحتواء بميزتين بنيويتين:
أولاً: وحدة مفهومي القوة والحق، إذ القوة هي المسوغ النظري للصراع القائم بين الامم والحضارات، فمجرد أن تمتلك حضارة ما مقومات التفوق عسكرياً اقتصادياً تكون تلك المقومات ذاتها خالقة الحق في غزو الآخر وإفنائه.
ثانياً: الإلغاء الكلي والإفناء التام، تعمل الحضارة المنتصرة على إفناء الحضارة الضعيفة المهزومة وإلغائها كلياً، فلا تعود الى الحياة إن قدر لها إلا بعد زوال الحضارة المنتصرة أو فقدانها مقومات قوتها. فقد أفنت حروب الإسكندر المقدوني وحروب الممالك القديمة مثلاً عدوها إفناء تاماً إذ انصهرت جميع عناصر الحضارة المهزومة في كيان الحضارة المنتصرة ، ولم تعد إلى الحياة إن قدر لها إلا بزوال الحضارة المنتصرة.
وتعد إبادة الدول القومية الأوربية لشعوب وأمم القارة الأمريكية فترةً مرحليةً وسطاً بين مرحلتين، إذ تمثلّت في نهاية المرحلة البدائية وبداية المرحلة الحديثة
فهي زمانياً تعود لبداية المرحلة الحديثة إلا أنها بنيوياً تمثل عودة رجعية للمرحلة البدائية وذلك لوجود هوةٍ حضارية تعبر عن فرق شاسعٍ في ميزان القوة بين حضارتين / الحضارة الأوربية في عصر نهوضها الحديث والمتفوق بكل المقاييس على حضارة الهنود الحمر والقبائل البدائية التي سكنت الأمريكيتين/ هذا البون الشاسع بين قوة الحضارتين مكّن من عودة منطق القوة ليحكم حركة التاريخ بكل جفائها وعجرفتها وإلغائها للضعيف المهزوم ، وبذلك جمعت الحروب الأوربية للقارة الأمريكية بين خاصيتين تعودان لمرحلتين مختلفتين:
ـ الأولى: كانت التجسيد الأعظم لسطوة القوة الناشئة في العصر الحديث في دول وأمم القارة الأوربية، فهي من هذا المنظور جسدت بنيوياً المرحلة البدائية بكل مقوماتها بعنفها ودرجة ومستوى إلغائها للحضارات المهزومة
ـ الثانية: شكلّت صراعاً على المصالح بين الدول والإمبراطوريات القومية، فكان مبدأ المصلحة حاضراً فيما بين تلك الدول من خلال صراعها على مناطق النفوذ والتوّسع الإمبراطوري.
3 ـ مرحلة الاحتواء الكلي الإيديولوجية[7]:
إن انفصال القوة عن الحق في تاريخ صراعات الحضارة الإنسانية انفصال عسير وذلك لما للقوة من ألق فتّان يتمثل في قدرتها على خلق أحداث التاريخ، وتمكين الأقوى من إشباع رغبته بالسيادة والسطوة، وبالتالي التخلّي عنها تم بصعوبة وعبر مخاضات وبشكل تدريجي، وتعد مرحلة الاحتواء الكلي الإيديولوجي مرحلة حاسمة في التخلّص من القوة كمبدأ خالق للأحداث التاريخية رغم احتفاظه بنيوياً بخصائص الاحتواء الكلي، ولكن كانت الإيديولوجيا هي المسوّغ النظري لغزو الحضارة القوية للضعيفة، فبدا الدين والعلمانية هما الواجهة اللإيديولوجية والقيمية[8] لنشوء دولة على أساس إيديولوجي ديني أو علماني ، فنشأ والحال كذلك نمط صراع مركب من نمطي الاحتواء الكلي والإيديولوحي معاً، فهوعنيف والإلغاء فيه شبه كلّي لأنه تجسيد لقوة في حضارة ما “مملكة أو إمبراطورية أو دولة”، فهو بذلك يماثل في بنيته المرحلة البدائية إلا أنه يحدث تحت غطاء إيديولوجي إذ الاندماج يكون إيديولوجياً حيث تحافظ الأمم على هويتها القومية والثقافية ويتمثل اندماجها في خضوعها لإيديولوجية الدولة الجديدة[9]، وتتمثل هذه المرحلة في نشوء دولتين:
ـ دولة اسرائيل .
ـ دولة الاتحاد السوفيتي السابق.
إذ ارتبط نشوؤهما بقتل وتهجير آلاف البشر فكان الإلغاء الذي مُورِس إلغاء كامل إذ لم تعد الدول التي احتلها الاتحاد السوفياتي للوجود إلا في بداية انهيار الأخير وزواله من الوجود، وكذا هو الحال بالنسبة لفلسطين[10] إذ عودتها بحدودها الطبيعية التاريخية، من بحرالمتوسط إلى نهر الأردن مقرونة بزوال إسرائيل.
2 ـ مرحلة الاحتواء الكلي وفق مبدأ المصلحة : وهي الحروب التي قامت في العهد الحديث[11] تمثلت تاريخياً في الحروب التي قامت بين الدول القومية الأوربية وفي الحربين الأولى والثانية[12].
ثمة ثلاث سمات أعطت هذه المرحلة خصوصيتها الحضارية في تاريخ البشرية
فهي أولاً: خضوع الصراع لمبدأ المصلحة وغياب مقولة القوة باعتبارها الفضاء القيمي الذي يبرر استباحة الدول القوية للدول الضعيفة، فالدولة القوية لا تغزو أخرى ضعيفة ..انطلاقاً من قوتها فحسب ،وإنما لتعارض مصالحهما، وبهذا ثمة ترّقي في طبيعة الصراع بين الأمم والحضارات، على الرغم من الأعداد الهائلة لضحايا تلك الحروب العائد لاستخدام الأسلحة الحديثة التي هي ثمرة التطور الصناعي والعلمي الذي ميّز العصر الحديث
ثانياً: عدم إلغاء الدولة المنتصرة للدولة المهزومة إلغاءً تاماً ،إذ غالباً ماتبقى الدول المهزومة محافظة على هويتها القومية والثقافية، وتحصل على استقلالها بعد فترة زمانية وفق معاهدات تبرمها مع الدولة المحتلة ، وبذلك لم يعد مقروناً عودتها للحياة بنيلها استقلالها بزوال الدولة المحتلة أو اضمحلال قوتها، فنيل ألمانية مثلاً استقلالها بعد الحرب العالمية الثانية لم يقترن بزوال قوة الاتحاد السوفياتي و بريطانيا وأمريكة .
ويعتبر مبدأ المصلحة بمعناها الأوسع.. ـ مصلحة الأقوى ـ في العلاقات الحضارية مبدأ جذرياً هو أساس الترقّي النسبي الحاصل في تغيّر أشكال الصراع ،
يماثل دوره إلى حد بعيد دور نشوء الملكية الخاصة في قيام الحضارات البشرية بل إنه أحد تجليات ومفرزات مفهوم الملكية الخاصة على مستوى نظري في العلاقات القائمة بين الأمم والحضارات .
إذ ارتبط نشوء مفهوم المصلحة في الصراعات الحضارية بالاعتراف بالآخر وضرورة وجوده ومن ثم فيما بعد بأحقية وجوده[13] بما تقتضيه المصلحة ذاتها ، فمفهوم المصلحة مرتبط بنيوياً بوجود آخر تتحقق المصلحة معه أو تتعارض.
ويرتبط حضور القوة في صراع الاحتواء الكلي بأمرين أساسيين:
أـ مستوى الإلغاء الذي يمارسه القوي المنتصر على الضعيف المهزوم إذ إنه كلما كانت القوة حاضرة كمبدأ وحيد كان الإلغاء كاملاً وانصهار الحضارة المهزومة كاملاً أو شبه كامل في الحضارة المنتصرة كما في مرحلة الاحتواء الكلي البدائية وكلما تخفّت القوة وبدت المصلحة هي المبدأ المحرك ينحدر مستوى الإلغاء للضعيف المهزوم، وكذلك لا يتم إنصهار الحضارة المهزومة بالمنتصرة إنصهاراً كاملاً ودائماً كما حدث في الحربين العالميتين الأولى والثانية .
ب ـ ارتباط بقاء الحضارة المهزومة نهائياً أو جزئياً بزوال الحضارة المنتصرة إذ في المرحلة البدائية والمرحلة الإيديولوجية لصراع الاحتواء الكلي لا تعود الحضارة المهزومة للحياة إن قُدّرَ لها إلا بعد زوال الحضارة المنتصرة أو زوال قوتها وبداية أفولها الحضاري، في حين في المرحلة الحديثة بدأت الدول والإمبراطوريات [14]المهزومة عسكرياً تعود للحياة نسبياً وتنال استقلالها بدون أن تفقد الدولة المنتصرة قوتها وألقها الحضاري .
وفق التنظير السابق يخضع الاختلاف الحاصل في صراع الاحتواء الكلي بين مرحلة تاريخية وأخرى لمبدأ المتوالية التاريخية الحضارية فالشروط التاريخية التي حولت القبائل الى إمارات والإمارات لممالك وإمبراطوريات والممالك الى دول قومية خلقت العوامل الأساسية التي غيرت مجرى صراع الاحتواء الكلي من مرحلته البدائية إلى مرحلة حديثة أكثر حضارية غاب عنها حضور مبدأ القوة بشكله الفج، وانتهى الالغاء الكامل للعدو المنهزم، ولم يعد يرتبط استقلال الدول المهزومة وعودتها إلى الحياة بزوال الدول المنتصرة .
2 ـ صراعات الاحتواء الايديولوجي:
تشكل ظهور الإيديولوجيات بداية مرحلة حضارية جديدة أسميها مرحلة الحضارات الإيديولوجية ، مثلّت الإيديولوجيات فيها صبغة عامة ،إذ خطت البشرية خطوتها الكبرى في سلم تحضّرها عندما أوجدت إيديولوجيات شكلّت في آن واحد عقيدة حياة متكاملة، وفضاءً معرفياً يقدم معرفة عن الذات وعن الآخر ويحدد الآليات التي ينبغي التعامل معه وفقها، وبذلك شكلت مبرراً نظرياً للقيم يقيم من خلالها الإنسان علاقاته مع الوجود بشكل عام ومع الآخر في سياق التفاعل الحضاري بين الأمم مما أوجد نمطاً جديداً في الصراعات بين الأمم والحضارات هو نمط صراعات الاحتواء الإيديولوجي الذي يمثل تخلي البشرية عن مفهوم القوة كمثل أعلى للحضارة وخالقة القيم فيها، إذ لم تعد القوة قادرة على خلق مبررات غزو الحضارة القوية للضعيفة لتحل مكانها ثنائية الإيديولوجيا والمصلحة[15].
بهذا المعنى ترتبط صراعات الاحتواء الإيديولوجية بمفهوم المصلحة كما تؤوله كل إيديولوجيا على حدة وهنا تُمثّل المصلحة الإيديولوجية وليس المصلحة بمعناها العام المحرك الخفي للصراع، إلا أنها كما أسلفنا من قبل أدت دوراً أساسياً بالاعتراف بالآخر وضرورة عدم إلغائه وأحقيّة وجوده، وبذلك تنقسم صراعات الاحتواء الإيديولوجي لمرحلتين وذلك وفق تعاطيها مع مبدأ المصلحة هما:
أـ مرحلة الإيديولوجية الدينية:
شكلّت الأديان إيديولوجيات شمولية تحكم كل مفاصل حياة المؤمنين وتوجه علاقتهم فيما بينهم وبين الآخرين، وبدت هي المتحكمة بالصراعات بل وغدا الدين هو الفضاء القيمي الذي يعيد صياغة الفضائل والمعايير ويقدّم المبررات التي تشرعن غزو الآخر، وتتمثل هذه المرحلة تاريخياً في الحروب التي قامت لنشر الدين أو منع انتشار دين مخالف سواء في عهد الديانات الوثنية وما تبعها من انتشار الديانات الابراهيمية / يهودية ،مسيحية ،إسلام/ ، وفي الحروب المذهبية داخل الدين الواحد، وتعد هذه المرحلة هي خطوة متقدمة حضارياً على مرحلة الاحتواء الكلي، ويتميز السياق العام لهذه المرحلة ـ مرحلة الاحتواء الإيديولوجية الدينية ـ بعدة سمات أساسية:
1ـ لم يعد إلغاء الحضارة القوية للحضارة الضعيفة مُبَرَرَاً قيمياً[16] ، وإنما تمتلك الدولة المهزومة بعد اتباعها دين الدولة المنتصرة كل امتيازات الدولة المنتصرة
2ـ احتفاظ الأمم والحضارات المهزومة على خصوصيتها العرقية والثقافية[17] باستثناء ما يناقض طقوس وتعاليم الدين الجديد “دين الأمة المنتصرة”
3ـ حضور غير مباشر لمبدأ المصلحة، إذ كانت الحروب تُشّن لشعارات دينية في حين يكون السبب الحقيقي هو تحقيق مصلحة مادية.
ورغم هذه السمات العامة للاحتواء الإيديولوجي الديني ثمة تمايزات مهمة بين فترة زمانية وأخرى، تعود تلك التمايزات لفروق وتباينات في الأديان ذاتها ودرجة تطور الدين أو بدائيته[18]، وتباينات أخرى في الحاضنة الحضارية للأديان ومستوى تطورها[19].
ب ـ مرحلة الإيديولوجيات العلمانية / ما بعد دينية/:
بدأت أمم الغرب بالانتقال تدريجياً من إيديولوجيات ميتافيزيقية دينية إلى إيديولوجيات علمانية اتخذت شكلين أساسيين:ـ الأولى إيديولوجية علمانية شمولية عملت على إقصاء الإيديولوجيات الدينية نهائياً من الحياة العامة في حروب إلغائية تماثل إلى حد بعيد تلك التي جرت في مرحلة الاحتواء الكلي البدائية[20] ، أو على إقصائه من الحياة العامة وحصر دوره تدريجياً في الحياة الروحية للأفراد، مما انعكس على تغيير جوهري في أشكال الصراع، إذ تشكّل والحال كذلك نمطان إيديولوجيان علمانيان في ذهنية عالم ما بعد الحرب العالمية الثانية لهما خصوصيتهما السياسية والاقتصادية[21] وأسسا لشكل صراع جديد وذلك وفق المتوالية التاريخية الحضارية هو ما أتفق على تسميته الحرب الباردة :
ـ نمط الاشتراكية والشيوعية: التي تمثلّت في الاتحاد السوفييتي السابق وجمهوريات أوربا الشرقية والصين وفي أجزاء من دول آسيوية كفيتنام الشمالية وكوريا الشمالية وفي حركات وأحزاب في كل من أمريكا الجنوبية وأفريقيا ودول العالم الثالث.
ـ نمط الرأسمالية: التي تمثّلت في الولايات المتحدة الأمريكية وأوربا الغربية وكندا وأستراليا واليابان والهند وفيتنام الجنوبية وكوريا الجنوبية وتركيا وإيران ودول أمريكا الجنوبية ، وساد في دول العالم الثالث وأفريقيا نظام رأسمالي بدائي تابع للاقتصاديات العالمية الرأسمالية لم يسهم في نهوض تلك الدول وتطويرها، وذلك في ظل حكومات دكتاتورية وملكية عملت على احتكار السلطة السياسية وتوظيف الاقتصاد لخدمة مصالحها واستمرارية حكمها.
وقد نشأ بين هذين النمطين الإيديولوجيين النظام الرأسمالي بقيادة أميركية والنظام الاشتراكي بقيادة الاتحاد السوفييتي كم أسلفنا شكل من أشكال الاحتواء الإيديولوجي تعارف على تسميته الحرب الباردة[22]، إذ يعتبر هذا الصراع خطوة متقدمة حضارياً تخلصت من خلاله الإنسانية من فكرة الحرب المباشرة بين قطبي الصراع انصياعاً لمبررين هما:
ـ تحقيق مبدأ المصلحة .
ـ غياب التفاوت الكبير في ميزان القوة بين الطرفين.
إلا أنه ثمة حروب ثانوية ومحدودة ظهرت نتيجة التنافس على التوسّع الإيديولوجي عبر دول العالم التي تمثلت في الحرب الفيتنامية والحرب الكوبية والحرب الأهلية الصينية [23]
إذ من مصلحة الدول الكبرى المتصارعة أن لا تقام الحرب على أراضيها وألا ينخرط جنودها في مواجهات مباشرة وذلك انطلاقاً من تحقق التوازن في موازين القوة بينهما، وبذلك أخذ الاحتواء الايديولوجي لأول مرة في تاريخ صراعات البشرية منحى التنافس الاقتصادي والصناعي[24] والعلمي.
كما شكلت نهاية الحرب الباردة بانهيار الاتحاد السوفييتي وتفككه إلى الاتحاد الروسي وعدد من الجمهوريات المستقلة خطوة جديدة مهمة في تاريخ الصراعات
اذ لم يقترن انهيار الاتحاد السوفيتي باحتلال قوات غازية من الطرف المنتصر كما أن الإيديولوجية الاشتراكية رغم انحسارها لم تنتهي من الوجود نهائياً وإنما استمر وجودها في بعض الدول كالصين وكوريا الشمالية وكوبا وفي العديد من الدول الغربية بهيئة أحزاب يسارية أقرب للاشتراكية ساهمت في تطوير الرأسمالية ذاتها.
3 ـ صراعات الاحتواء القيمي :
حازت الحضارات البشرية عبر مخاضاتها العسيرة و حروبها المدمرة على مبادئ تضامنها المتجلية في ثلاثة مسارات أساسية:
ـ انفصال الحق عن مبدأ القوة.
ـ الترقي التاريخي لأشكال الصراع الحضاري المتمثل في الانتقال من كون مبدأ القوة هو المبرر النظري لغزو الآخر إلى كل من الإيديولوجيا والقيمة
ـ التخلّق الذاتي لمبدأ المصلحة الذي يعمل بشكل خفي ويسهم بنقل الصراع من مستوى حضاري إلى مستوى آخر يكون أكثر رقياً .
إذ تعتمل والحال كذلك في خضم الحروب وويلاتها تلك الإرادة اللاشخصية للحضارات البشرية التي تنقل الإنسانية إلى مراحل متقدمة حضارياً على صعيد مستوى الصراعات من خلال ترقّي نسبي متمثّل بالانخفاض في درجة الإلغاء وعنفه وتغيّر المنظومة المعرفية لمبرراته النظرية، كما وتعمل على تغيير طبيعة العلاقة القائمة بين الحضارة القوية المتقدمة والضعيفة المتأخرة، وذلك وفق المتوالية التاريخية الحضارية، إذ تشّكل مرحلة الاحتواء القيمي آخر الصراعات القائمة بين الحضارات لتحل مكانها تدريجياً مرحلة جديدة لاتجد فيها الحضارة القوية من مصلحة في غزو الآخر.
وتنقسم مرحلة الاحتواء القيمي إلى ثلاثة اشكال من الصراعات:
ـ الحروب الاستعمارية.
ـ الحرب على الإرهاب.
ـ /الحرب العراقية/.
ـ الحروب الاستعمارية:
رافق النهوض الحضاري للقارة الأوربية قيام اقتصاد رأسمالي صناعي وتجاري فيها قائم أساساً على التوسع أفقياً في مناطق النفوذ كمورد للمواد الخام وسوق استهلاكية بآن واحد وعمودياً من خلال الازدياد الدائم في نوعية الانتاج كماً ونوعاً وذلك لضمان تحقيق نمو اقتصادي يتصف بالديمومة مما يعزز الرفاهية المادية لرعايا تلك الدول من خلال إنشاء بنية تحتية حديثة ومتطوّرة، فأنشئت المدن على الطراز الحديث تتحقق فيها الخدمات الاجتماعية بشكل يناسب نمط الحياة الحديثة وفي خضم هذه المرحلة المفصلية في القارة الأوربية كانت السلطنة العثمانية في آخر مراحل نموها وبداية تقهقرها، ودول أفريقيا تعاني من فراغ حضاري في صراعات أنهكتها وزادت من عوزها، مما دفع القوة الناشئة في الدول القومية الأوربية لملء الفراغ الحاصل بتقاسمهم تركة العثمانيين وذلك باقتطاع أجزاء واسعة منها والتوسع في الدول الإفريقية كمستعمرات لضمان التوسع الأفقي في مناطق النفوذ تلبيةً لحاجة النظام الاقتصادي القائم إلى مورد للمواد الخام و السوق الاستهلاكية.
ويُعد احتلال الدول الأوربية للدول العربية والدول الأفريقية واستعمارها مرحلة متقدمة من مراحل الصراع بين الأمم والحضارات، شكلّت هذه المرحلة تجاوزاً مهماً للمرحلة الإيديولوجية ، ففي مرحلة سابقة كانت الإيديولوجيا الدينية شعاراً تتخفى من ورائه الدول القوية في سيطرتها على الدول الضعيفة وذلك تحقيقاً لمصلحتها، ولكن بعد النهوض الأوربي فقد الدين قدرته على تجييش الشعوب وانحسر دوره تدريجياً الى حد كبير من الحياة العامة، وباتت الصناعة والتقدم المادي وإنشاء المدن الحديثة وتطوير الاقتصاد وتحقيق الرفاهية هي سمة العصر الحديث مما أدى لتغير المنظومة المعرفية والقيمية وانعكس ذلك بدوره على طبيعة الصراع، فباتت الدول القوية الناهضة تغزو الضعيفة ليس لإبادتها كما في مرحلة الاحتواء الكلّي، كما وليس من أجل هدايتها للدين القويم أو نشر للإيمان الصحيح كما في مرحلة الاحتواء الإيديولوجي وإنما لتحضيرها واستعمارها[25]
إنه غزو من أجل مصلحة اقتصادية بالدرجة الأولى ولكن تحت غطاء قيمة آمنت به الحضارة الغربية في عهدها الحداثي الجديد[26] .
وفق ما تقدم تميزت المرحلة الاستعمارية بعدة سمات أساسية:
أـ شكلّت المصلحة بمفهومها الاقتصادي الهدف الرئيس للإستعمار ، بعد أن كانت المصلحة مرتبطة بالإيديولوجيا في مرحلة الاحتواء الإيديولوجي .
ب ـ احترام الغزاة للخصوصية الحضارية والثقافية والدينية للشعوب المستَعمرة، وذلك لكون الهدف الأول من الاحتلال هو اقتصادي على الرغم من نشاط الحملات التبشيرية في العديد من الدول الإفريقية خصوصاً[27] وذلك لانتشار الديانات الوثنية والطوطمية البدائية، إذ لم يكن هدف الاحتلال هو نشر الدين المسيحي وإنما شكل الاستعمار بيئة مشجعة للحملات التبشيرية .
ج ـ اقتران خروج الدول الأوربية من مستعمراتها بمفهوم المصلحة ،إذ اقتضت مصلحتها ذاتها ترك مستعمراتها والعودة للحدود الجغرافية لكل دولة سواء ذلك الانسحاب حدث تحت ضغط حركات المقاومة في المستعمرات مما رفع من الكلفة البشرية والمالية /كخروج فرنسا من الجزائر/ أو نتيجة اتفاقيات بين الدول الاستعمارية ذاتها وذلك أيضا وفق مصالحها وتناقضاتها والنزاعات الحاصلة في مابين تلك الدول، وبطبيعة الحال لم يقترن نيل الدول المستعمَرة لسيادتها بزوال مقومات قوة الدولة المستعمِرة.
ـ الحرب على الارهاب:
نمت الحضارات الانسانية ما يكفي في القسم المتقدم من العالم لإحداث تقسيم وتخصص في كل مؤسسات الدولة والحياة الاجتماعية، وأدى قيام نظام ديمقراطي في تلك الدول إلى توجيه سياساتها للالتفات نحو تحقيق أكبر مستوى من النمو الاقتصادي يكفل استمرار تحقيق الرفاهية الاقتصادية والاجتماعية لرعايا تلك الدول مما انعكس على مفهوم القوة ذاتها، إذ لم تعد القوة مقرونة في السيطرة على مقدرات الآخرين الضعفاء بصراعات تنهك الاقتصاد المحلي وتعرّض أفراد جيوشها الوطنية للخطر، مما عزز حالة مزدوجة فمن ناحية توجهت سياسات غالبية الدول المتقدمة للانكفاء على ذاتها والنأي بنفسها عن الدخول في حروب وصراعات تؤثرعلى اقتصادياتها ومن ثم على رفاهية سكانها مما له انعكاسه السلبي على الناخبين الذين يشكلون مقصد الإدارات الحاكمة في تلك الدول[28]، مما عزز حالة السلم بين الدول القوية المتقدمة إذ خلت هذه المرحلة من صراعات شاملة بين القوى العظمى، وبذلك مثّلت قيمة السلم الأهلي وتقبل الآخر والمدنية شعار المرحلة الحضارية في الدول المتقدمة، ومن ناحية أخرى دأبت في علاقاتها مع دول العالم الثالث[29] على اتخاذ سياسة ميكيافلية نفعية تتخذ من مبدأ المصلحة غاية قصوى في رسم علاقاتها فبعد أن أسهمت في إنشاء تلك الإمارات والممالك والدول في الحقبة الاستعمارية عملت على توطيدّ حكم الدكتاتوريات الناشئة من خلال معاهدات سياسية واقتصادية تضمن فيها الاستمرار في نهب ثرواتها، وعززت الصراعات الدينية والمذهبية ووظفتها لخدمة مصالحها الاقتصادية المباشرة[30]، وبذلك دخل الطرف الآخر من العالم في أزمة وجود حقيقية تمثلت بحالة من العطالة الحضارية شملت كل مستويات الواقع المعاش في تلك الدول، مما شكل بيئة خصبة لانتشار الفساد الاقتصادي والمؤسساتي فازدادت محنة تلك الشعوب وعم الجهل والفقرً وانتشرت حالة من الخواء الثقافي على مستوى الوعي الجمعي أدت إلى تكوين إيديولوجيات متطرفة استلهمت من تراث تلك الامم كل أشكال الإلغاء والتطرف وفق قراءة نكوصية للماضي باعتباره موئل الحقيقة ومصدر التشريعات قائمة على ثلاث منطلقات أساسية تحكم وعيها بذاتها وبالآخر وتحدد استراتيجياتها وهذه المبادئ هي:
ـ المركزية الإسلامية[31] التي هي نتيجة لعوامل ذاتية قائمة على قراءة راديكالية للتراث تتمثل في النظر إلى الإسلام على إنه خلاصة الحقائق التي توصلت لها الحضارات الإنسانية وموئلها النهائي مما انعكس بدوره على النظرة للآخر والعلاقة معه.
ـ العلاقة مع الآخر هي علاقة تناقض جذري باعتبارها تجسيداً تاريخياً يعيشه ” المؤمنون” للعلاقة بين الحق والباطل ـ الأنا /الاسلام / هي الحق ، والآخر/ الغرب الكافر/ هو الباطل[32] ، ثم ما لبثت أن تضيق تلك الثنائية بزيادة التمركز حول الذات لتصبح الأنا هي /الاسلام الصحيح/ ، والآخر/ليس الغرب الكافر فحسب وإنما أيضاً الأخوة في الدين والمذهب ولاحقاً الاخوة في المنهج/ [33]،إذ ينعكس هذا التناقض في شكل صراع دائم وذي نتيجة حتمية متمثّلة في سيادة الحق على الباطل.
ـ وعي جمعي منغلق على مستوى الجماعة ذو مضامين ميتافيزيقية وأسطورية /للوجود والتاريخ والذات والآخر وللعلاقة معه/ قائم على تمثيلات رمزية مستلهمة من تأويل أساطير وقصص التراث.
وفق هذا التنظير بدا صراع الاحتواء القيمي المتجسد في الحرب على الإرهاب مبرراً غربياً وبمنطق الجماعات الجهادية في آن واحد، إذ أعتبر غربياً على أنه صراع من أجل قيمة العصر ودفاعاً عنها واستمرار لمعركة الحضارة الغربية في تعزيز قيمة الحياة المدنية والحرية والديمقراطية باعتبارها القيم المثلى التي تتبناها شعوب تلك الدول مما يضمن لتلك الإدارات الحاكمة شن الحروب بموافقة برلماناتها السياسية، في حين اعتبرته الجماعات الأصولية تعبيراً أمثل عن العداء المحكم بين الحق والباطل متمترسة وراء سياسة الغرب العدائية للشعوب الإسلامية التي تمثل الحاضنة الشعبية لها، ومتخذة من قراءتها الخاصة للتراث فضاءً إيديولوجياً معيارياً يحدد لها المنهج الجهادي في حربها المقدسة، وتمثل حادثة الحادي عشر من أيلول لحظةً مفصليةً في تاريخ هذا الصراع عملت على بلورة مفاهيم وأهداف كل طرف من أطراف الصراع وعلى إعلان حرب مفتوحة بين قطبين الأول بزعامة الولايات المتحدة والدول الغربية ودول أخرى وبدعم من الدكتاتوريات العربية، والثاني تنظيم القاعدة وفروعه وامتداداته في دول العالم، بهذا المعنى يمكن تحديد السمات الأساسية للاحتواء القيمي /الحرب على الإرهاب/ بما يلي:
أـ انخراط الحضارة القوية المتفوقة في صراع مفتوح ضد جماعات جهادية هيولية دفاعاً عن النفس وعن قيمٍ تتبناها .
ب ـ غياب مفهوم المصلحة الاقتصادية المباشرة ليحل مفهوم المصلحة الاستراتيجية بمفهومها الواسع بما تنطوي عليه من مضامين ثقافية وحضارية.
ج ـ غياب الاحتلال المباشر من قبل الحضارة القوية ، رغم التكلفة العالية نسبياً بين المدنين وخاصة في ضحايا الجماعات المتطرفة[34] وذلك لاستخدام أسلحة تقنية متقدمة.
د ـ تبني طرفي الصراع موقف الدفاع عن قيمهما ووجودهما وليس مجرد دفاع عنٍ المصالح.
ويعتبر هذا الصراع شكلاً متطوراً من أشكال الصراع الحضاري سيسهم في تغير وجهة التاريخ وفي استبدال الاحتواء القائم على الصراع إلى احتواء قيمي تنتفي فيه الحروب والصراعات قائم على تغيرات جذرية ستتداركها سياسات الدول المتقدمة عندما تسعى في حربها المزمعة على الإرهاب الذي أرّقها وغزاها في عقر دارها، وبات ظاهرة وإيديولوجية لها قواعدها واستراتيجياتها مستفيداً من التقنيات المتقدمة السائدة والتي لا يمكن احتكارها بسبب الثورة التقنية و المعلوماتية، إذ ستعمد لتغيير سياساتها العدائية القائمة على مبدأ المصلحة الاقتصادية المباشرة، لتعتمد سياسة وديّة قائمة على مبدأ المصلحة الاستراتيجية البعيدة المدى تراعي من خلالها مصلحة الشعوب التي تشكّل الحاضنة الشعبية والثقافية لتلك الجماعات، ليغدو الاحتواء القيمي ليس صراعاً وإنما جهوداً تبذل وسياسات تُرسم من أجل دفن الهوة بين شعوب العالم وذلك لتجفيف منابع الإرهاب، وبذلك ترسم المصلحة ـ مصلحة الحضارة القوية ـ طريقاً جديداً للإنسانية.. فكما تخلّت الدول القوية عن فكرة الصراع فيما بينها ستتخلى عن سياسياتها العدائية ضد الأمم الضعيفة .
ـ الحرب العراقية:
دأبت الدول الغربية المتقدمة وعلى رأسها الولايات المتحدة على سياسات عدائية لدول العالم الثالث وذلك لضمان مصلحتها الاقتصادية المباشرة عبر ثلاث استراتجيات:
ـ إقامة ودعم وجود حكومات ملكية ودكتاتورية منفصلة تماماً عن إرادة الشعوب عملت على إفقار شعوبها وتجهيلها.
ـ إحكام السيطرة على ثروات تلك الدول ومخزوناتها من الطاقة عبر اتفاقيات ثنائية طويلة الأمد تضمن استمرار تدفق المواد الخام بأسعار بخسة.
ـ تبديد طاقاتها عبر صراعات ثنائية من خلال إبقاء خلافات حدودية تعود للحقبة الاستعمارية، وتعزيز تلك الخلافات على أسس أثنية ومناطقية ومذهبية دينية.
وفق هذا المنظور شكلت الحكومة العراقية بقيادة صدام حسين نموذجاً مثالياَ للسياسات الغربية في دول العالم الثالث فهي من جهة دعمته بكل أنواع السلاح وغضت الطرف عن جرائم الإبادة التي قام بها بحق شعبه ومعارضيه[35] وأقامت مع حكومته اتفاقيات طويلة الأمد لاستخراج النفط الخام إذ شكل العراق أهم الدول المنتجة للنفط انتاجاً ومخزوناً وأخيراً أقحمته في صراع طويل مع الدولة الإيرانية بعد قيام الثورة الخمينية “الاسلامية” فيها،إذ شكلت الحرب العراقية الايرانية ثلاثة أبعاد فهي من جهة صراع حدودي يعود للخلاف القائم[36] على مجموعة من الجزر ومن جهة أخرى حرب ذات بعد مذهبي بين السنة والشيعة من خلال مقاومة ومنع المد الشيعي الحاصل بعد الثورة الايرانية لدول الجوار وذلك لوجود مكونات مذهبية شيعية مؤيدة للثورة الخمينية في كل من العراق ودول الخليج إذ اعتبر نظام صدام حسين رأس حربة مدعومة من دول الخليج ومن ورائهم أمريكة والغرب من أجل إعاقة الثورة الإيرانية وخصوصاً بعد إعلان إيران العداء لإسرائيل[37] ومن جهة ثالثة حماية ممالك النفط من النفوذ الايراني لضمان استفراد الولايات المتحدة في نهب مخزونات النفط الهائلة عبر اتفاقيات ثنائية مجحفة طويلة الأمد مع تلك الدول . وبعد نهاية الحرب العراقية الإيرانية كان العراق دولة نفطية بجيش متمرّس وذو قوة عسكرية نسبية تتفوق على جيوش المنطقة[38] وقيادة دكتاتورية متهورة قامت بغزو الكويت بسبب خلاف حدودي فأعلنت أمريكا والدول الغربية الحرب على عراق صدام حسين، و بهذا المعنى اتسمت تلك الحرب بسمتين بنيويتين من سمات الاحتواء القيمي :
ـ إنها شكل أخير من الاحتواء القيمي قامت به القوى العظمى ضدّ العراق هدفه المعلن تحقيق قيمة حضارية آمنت بها شعوب الدول الغازية مما ضمن موافقة برلماناتها، هذه القيم تتمثل في إنهاء نظام دكتاتوري متهوّرغزا دولة مسالمة ويمتلك أسلحة غير تقليدية[39] مما يشكل خطراً على السلم العالمي وإحلال نظام ديمقراطي منتخب من الشعب مكانه.
ـ شكلت المصلحة الاقتصادي المباشرة للدول الغازية الهدف الحقيقي وراء هذه الحرب،إذ تشكل الكويت ودول الخليج أهم دول مصدرة للنفط الخام في العالم وأي تهديد لأنظمة تلك الدول هو تهديد للمصالح الاقتصادية للعالم الصناعي الذي يعتبر النفط فيه عصب الصناعات وقوامها الأساسي.
تثير الحرب العراقية ومن بعدها الأحداث الدامية في الثورة السورية ضد الدكتاتور بشار الأسد في الوعي الغربي ثلاث إشكاليات:
ـ الأولى: تتعلق بجدوى دعم الدكتاتوريات وأثره على أمن إسرائيل وعلى استمرار نهب ثروات تلك البلدان.
ـ الثانية: دور الدكتاتوريات في نشوء الجماعات الراديكالية الإرهابية التي تهدد أمنها[40]
ـ الثالثة: قضية الهجرة غير الشرعية وتفاقمها خصوصاً بعد الحرب السورية
وبذلك فتحت الحرب العراقية ومن بعدها الحرب السورية على الوعي الغربي تساؤلات حاسمة في تاريخ العلاقات بين الدول النامية والدول الغربية المتقدمة ستسهم ـ هذه التساؤلات ـ في تغيير جذري لاحق في سياسياتها فما أن تنفك عرى الترابط بين وجود الدكتاتوريات وأمن أسرائيل حتى تجد الدول العظمى بأن خير وسيلة لتحقيق مصالحها الإستراتيجية وخصوصاً بعد زيادة الاعتماد على الطاقة البديلة بسبب التطور التقني الهائل وبالتالي الاقتراب التدريجي من تحييد مصادر الطاقة كمصلحة اقتصادية للدول المتقدمة هي القضاء على الدكتاتوريات ذاتها وإقامة صلات حقيقية مع شعوب الدول النامية للأخذ بيدها من أجل تجاوز عثرتها الحضارية وبالتالي تجفيف منابع الإرهاب وحل نهائي لمشكلة اللاجئين التي ما لبثت تتفاقم في الأحداث الأخيرة ، وفق ماتقدم تشكل الحرب العراقية وما يجري من حرب دامية في سورية بداية مرحلة جديدة من الصراع بين طرفي العالم المتقدم والنامي تفتح الآفاق لتغيرات حاسمة في تاريخ العلاقات .
وفق هذا التنظير سار مبدأ المصلحة في صيرورة حتمية تتمثل في ثلاث مستويات
أـ مصلحة الحضارة القوية تقتضي القضاء على الحضارة الضعيفة، وبذلك اقتضت مصلحة الأقوى إلغاء وجود الأضعف
ب ـ تكمن مصلحة الحضارة القوية في استمرار وجود الحضارة الضعيفة وبقائها تابعة لها، وذلك لنهب خيراتها واستغلال طاقاتها البشرية، وبذلك اقتضت مصلحة الأقوى على إلغاء مصلحة الأضعف
ج ـ تتمثل مصلحة الحضارة القوية في أن تتطور الحضارة الضعيفة وتتجاوز عثرتها الحضارية، وبذلك تقتضي مصلحة الأقوى تحقيق مصلحة الأضعف.
وفق هذه المستويات الثلاثة لمبدأ المصلحة ـ مصلحة الأقوى ـ تسري الإرادة اللا شخصية للحضارات البشرية في صيرورة الأحداث وفق متواليتها التاريخية الحضارية محققة غايتها القصوى في الكمال الذاتي للحضارة الانسانية ككل متضامن .
ثانياً: نمط تلاقح الحضارات:
إن تاريخ الحضارة البشرية هو تاريخ الاحتواء الحضاري القائم فيما بينها إذ يغلب على علاقات الحضارات شكل الصراع، فيغدو الصراع شكل علاقة ودليل تفاوت في قوة تلك الحضارات في آن واحد، وما أن تتقارب الحضارات في مستوى قوتها وقدراتها حتى يأخذ التفاعل الحضاري شكل التلاقح والحوار القائم على تبادل المكتسبات المادية والفكرية والقيمية، فيتبدى التفاعل الحضاري بشكله السلمي، عندئذ تنأى الدول والأمم والحضارات المتقاربة في قوتها عن الدخول في صراعات ولاسيما بشكلها المباشر إلا في حالات استثنائية تشكل بداية لمرحلة قد تكون جديدة ،إذ يمثل ذلك الصراع محكاً حقيقياً للقوة الناشئة في الدولة المعتدية وسبباً مباشراً لإعادة توازنات القوى بين الدول قد ينشأ عنه انهيار دول وإمبراطوريات وقيام أخرى حيث تنزع دولة ما امتلكت مقومات قوة جديدة أو ظهرت فيها أيديولوجية سياسية جديدة طموحة تسعى لتركيز دعائمها بالحروب الخارجية وفق مقتضيات تناقض المصالح بين تلك الدول .
وبذلك يمكن تحديد السمات الأساسية للتلاقح الحضاري:
ـ يكون بين حضارت متقاربة في مستوى قوتها وتقدمها ويأخذ أشكالاً متباينة إلى حد بعيد تختلف باختلاف المستوى الحضاري ،إذ يتجلى في القبائل البدائية بتبادل الهدايا من جواهر ونساء وعبيد مروراً بتبادل التقنيات المستخدمة في الزراعة والصيد وطرق الحياة من عادات وتقاليد إلى أن ينتهي بتبادل الخبرات العلمية والقيم الأخلاقية.
ـ يبدأ التبادل مادياً وذلك لسهولة تداوله وينتهي ثقافياً وعلمياً وقيمياً.
ـ نتيجة لندرة التماثل في القوة الحضارية يكون التلاقح بين أمم وحضارات متلقية وأمم وحضارات مانحة، إلا أنه قد تنقلب الأدوار عندما تميل كفة القوة من جديد للطرف الآخر، وذلك وفق مبدأ الأقوى الذي يفرض حضارته على الأقل قوة
ـ شكّل التلاقح بين الحضارات في الماضي فترة مرحلية قصيرة سريعاً ما انقلب إلى صراع ، إلا أنه بدأ يشكل سمة المرحلة المعاصرة وذلك بفعل مبدأ المصلحة ودورها الخلاّق في خلق السلام العالمي بين الحضارات المتقدمة، إذ تقتضي مصلحة تلك الدول انتفاء الصراع فيما بينها وتحقيق توازن في القوى يضمن التقدم الدائم من خلال تحقيق المصلحة الخاصة لكل دولة على حدة واتفاق المصالح الخاصة على تحقيق مصلحة المجموع ، فبعد أن خاضت الدول الأوربية عبر السنين الغابرة صراعات وحروباً طاحنةً فيما بينها أدت لملايين الضحايا اتحدت فيما بينها تحت شعار المصلحة الخاصة لكل منها فكونت الاتحاد الاوربي الذي يشكل التقاء مصلحة المجموع بالمصلحة الخاصة لكل دولة .
ـ عندما تنتفي الصراعات بين الحضارات القوية والحضارات الضعيفة سيحل نمط تلاقح الحضارات فتفرض الحضارات القوية قيمها وفكرها ومنتجاتها المادية وفق مبدأ سيادة قيم الحضارة القوية.
أخيراً:
تخفي ويلات الحروب ومآسيها صيرورة حتمية خفية لإرادة لا شخصية للحضارة الإنسانية وفق المتوالية التاريخية الحضارية محققةً تضامنها ومتجهةً إلى نمائها وكمالها الذاتي .
……………………………………………………………………………….
[2] إذ تفشل الآلية الجدلية عبر منطقها المرتكز على الانطلاق من الفكرة لنقيضها ليتم بعد ذلك التركيب بينهما ..في التعبير عن الإنتقال في أشكال الصراع الدائر بين حضارات البشرية.
[3] أخالف ماجاء به هنتنجتون في تقسيمه لأشكال الصراع وتطورها التاريخي ،إذ ذهب في تقسيماته أن الحروب البدائية هي حروب بين ملوك وأمرا ء ومن ثم أصبحت حروب بين الشعوب فصراعات إيديولجية تمثلت بالحرب الباردة لتنتهي بما سماه صراع وحروب حضارية،إذ أرى أن مفهوم الحضارة قد يتمثل في قبيلة أو في إمارة أو مملكة أو امبراطورية أو في مفهوم الدولة الحديثة وذلك بسبب تمايز وتطور معنى الحضارة البشرية والتغير البنيوي في طبيعتها وفحواها ومستواها ،وبالتالي إن كل أشكال الحروب والصراعات التاريخية هي صراعات حضارية بامتياز، فما حروب الاسكندر المقدوني و اكتساح المغول للعالم القديم وكل من الحرب العالمية الأولى والثانية إلا شكل متغاير للصراع الحضاري والاحتواء الحضاري ، وبسبب تطور مفهوم الحضارة يتبدى الصراع تارةً على أنه رغبات ونزوات للقادة طامحة في التوسع، وتارةً يتجلى على أنه ثمرة عداء بين شعوب كما هو الحال في صراعات الدول القومية في العصر الحديث،وأخرى يظهر كصراع إيديولوجي لتنتهي أخيراً بعد نهاية الحرب الباردة بشكل صراعات حضارية ثقافية.
[4] كأن ينتقل صراع الإحتواء الكلي إلى صراع إحتواء إيديولوجي أو إحتواء قيمي.
[5] هذا يفسّر إختلاف صراع الإحتواء الكلي من مرحلة زمانية إلى أخرى ، فثمة فروق حاسمة مثلاً بين حروب الاسكندر وغزوه العالم وبين الحرب العالمية والثانية.
[6] على الرغم من أسبقية المرحلة البدائية في صراعات الاحتواء الكلّي زمانياً على غيرها من المراحل ،إلا أنه تحدث إرتكاسات تاريخية تعود فيها الصراعات وفق المتوالية التاريخية الحضارية إلى المرحلة البدائية بعد أن خطت حضاريا إلى مراحل متقدمة
كما حدث في غزو الدول القومية الاوربية للقارة الأمريكية التي حدثت بعد مرحلة الاحتواء الايديولوجية الدينية.
[7] تماثل الهذه المرحلة في خصائصها البنيوية المرحلة البدائية باستثناء الغطاء الإيديولوجي الذي ميزها.
[8] شكلت الإيديولوجية في هذه المرحلة قيمة اجتماعية أو دينية أو سياسية ، فليس المقصود بمفهوم القيمة هنا انها قيمة أخلاقية.
[9] إذ مثلت كل من اسرائيل والاتحاد السوفياتي السابق نموذج للدولة الإيديولوجية ، فالإيديولوجيا هي مايوحد بين أفراد شعوبها الذين ينتمون الى مكونات عرقية وثقافية متباينة الى حد بعيد.
[10] ثمة امكانية في قيام دولة فلسطينية مجاورة لدولة اسرائيل، لكن ليس بحدودها كما كانت قبل الاحتلال وذلك بإبرام اتفاقية سلام بين الشعب الفلسطيني والاسرائيلي، بعد أن تتخلى الأخيرة على سمتين بنيويتين هما العنصرية والتوسعية.
[11] باستثناء غزو الدول الأوربية للأمريكيتين، والحروب التي رافقت قيام كل من الاتحاد السوفييتي وإسرائيل،وبعض الإبادات الجماعية كما أسلفنا.
[12] رغم أن الحربين العالميتين شكلتا أكبر حروب التاريخ من حيث عدد القتلى وعدد الدول التي دخلت الحرب ونوعية وكمية الأسلحة المستخدمة ، إلا أنها شكلت تقدماً حضارياً عن الحروب البدائية وفق معايير سأعمل على تحديدها تباعاً.
[13] في زمن السلم وغياب الصراعات ستقتضي أحقية وجود الضعيف.. ومن منطلق مصلحة القوي ليس الحق بوجوده فحسب وإنما تحقيق حياة كريمة لشعوب الأمم والحضارات الضعيفة، وبذلك تتخطى الأمم والحضارات المتقدمة مفهوم المصلحة المباشرة ، إذ تتحق الوحدة بين مصلحة الأقوى ومصلحة الإنسانية جمعاء، عندئذ تدرك البشرية أن القوة الحقيقية تكمن في احتواء الآخر قيمياً بعيداً عن الصراعات والحروب التي توجهها المصلحة ومن ورائها القوة، لكن ذلك يستغرق وقتاً قد يطول ستعاني الإنسانية من نكبات قبله.
[14] في مرحلة الدول القومية ، اذا يتجسد الصراع الحضاري بصراع دول وإمبراطوريات قومية.
[15] إذ ثمة ترابط صميمي بين الإيديولوجيات والمصلحة ، وأحيل القارئ لمقالة “العلمانية والدين في القول الفلسفي” من منشورات موقع الآوان، لتبيان العلاقة بين الإيديولوجية والمصلحة
[16] بل أصبح الآخر هو موضوع عناية جماعة المؤمنين من أجل هدايته لطريق الحق
[17] شكلت ما سمي بالفتوحات الاسلامية ./الحروب التي خاضها المسلمون لنشر الاسلام/ تقدما حضارياً في ما يخص تسامحهم وإبقاء أصحاب الديانات الأخرى/ كالمسيحين واليهود/ على دينهم بشرط دفع الجزية.
[18] اذ ثمة فروق مهمة بين الحروب الاسلامية مثلاً والصليبية.
[19] ينبغي الإشارة إلى أن درجة تطور الحاضنة الحضارية للأديان ليس مطردة زمانية ، فقد تكون متقدمة زمانياً إلا أنها بدائية ووحشية في درجة إلغائها وعنفها للآخر.
[20] انظر مرحلة الاحتواء الكلي الإيديولوجية.
[21] إذ اقترن مع النظام الاقتصادي الاشتراكي نظام سياسي قائم على الدكتاتورية وسياسة الحزب الواحد ذو أيديولوجية شمولية إقصائية
في حين ارتبطت الرأسمالية في أغلب حالاتها”باستثناء الانظمة القائمة في دول العالم الثالث وبعض دول إفريقيا ” بنظام ديمقراطي قائم على تعدد الأحزاب السياسية.
[22] ” ثمة خلاف بين المؤرخين حول نقطة انطلاق الحرب الباردة. في حين ان معظم المؤرخين يعيدون اصولها إلى الفترة التي تلت الحرب العالمية الثانية مباشرة إلا أن آخرون يرجعون بدايتها إلى أواخر الحرب العالمية الأولى وذلك لحدة التوتر بين الإمبراطورية الروسية وغيرها من الدول الأوروبية والولايات المتحدة الأمريكية. إذ وجدت روسيا السوفيتية نفسها معزولة عن الدبلوماسية الدولية نتيجة للاستيلاء البلشفي عام 1917. فقد صرح الرئيس فلاديمير لينين آنذاك أن الإتحاد السوفيتي احيط “بالتطويق الرأسمالي المعادي إذ كان ينظر حينها إلى الدبلوماسية كسلاح لإبقاء اعداء السوفيت منقسمين .”
[23] تعتبر الحرب الأهلية الصينية امتداد للحرب الباردة لأنها قامت بين القومية الصينية المدعومة من الغرب وعلى رأسه الولايات المتحدة الأمريكية وبين الفكرة الاشتراكية المدعومة من الإتحاد السوفيتي.
[24] وخاصة الصناعة العسكرية .
[25]الاستعمار مصطلح له مدلولاته الايجابية على المستوى النظري رغم ما عكس على أرض الواقع من ويلات الاحتلال والغزو والتبعية
[26] اذ تعتبر والحال كذلك الحرب الثلاثية على مصر رغم جلاء المستعمر عنها ،هي امتداد للحروب الاستعمارية التي تكمن وراءها المصلحة الاقتصادية.
[27] إذ انتشرت الحملات التبشيرية في الدول العربية ولكن بنسبة أقل بكثير من انتشارها في الدول الافريقية ذات الأديان البدائية.
[28]باستثناء الحرب العراقية، إذ رغم موافقة برلمانات الدول المشاركة فيها والواجهة القيمية التي اعلنت الدول الغازية عنها باعتبارها حرب على دكتاتور قام بالتعدي على دولة مجاورة وامتلك اسلحة غير تقليدية مما يهدد السلم العالمي، فقد أدت هذه الحرب لاسقاط حكومات الدول المشاركة فيها انتخابياً من قبل شعوب تلك الدول.
[29] العالم الثالث /الدول النامية /هو مصطلح سياسي واقتصادي واجتماعي وثقافي، يقصد به الدلالة على الدول التي لا تنتمي إلى العالمين الأول والثاني، وهي دول ذات مستوى معيشي منخفض مقارنة بالدول المتقدمة، ولا يستقيم فيها التوازن بين سرعة نمو السكان ودرجة التقدم الاقتصادي، وتعاني هذه الدول من التخلف الاقتصادي والعلمي والاجتماعي.
استُعمل تعبير العالم الثالث لأول مرة سنة1952 في مقالة صدرت للاقتصادي والسكاني الفرنسي ألفريد سوفيه في إشارة إلى الدول التي لا تنتمي إلى مجموعة الدول الغربية /أمريكا الشمالية وأوروبا الغربية وأستراليا واليابان وجنوب إفريقيا /، ولا إلى مجموعة الدول الشيوعية /الإتحاد السوفيتي والصين وأوروبا الشرقية / وقد استوحى سوفيه هذه التسمية من الفئة الثالثة في المجتمع الفرنسي أثناء النظام القديم وقبل الثورة الفرنسية.
[30] كما في الحرب العراقية الايرانية
[31] اسميها المركزية الاسلامية لكونها تتقاطع في كثير من منطلقاتها على مستوى نظري مع أطروحة المركزية الغربية ،إلا أنها تنفرد بتأويلات وإسقاطات ميتافيزيقية لتعزيز منطلقاتها ، والنظرة المستقبلية لحتمية الصراع والتفوق على الآخر.
[32] تتمترس كل الجماعات المتطرفة وراء عداءها للغرب المتقدم، اذ ساهمت الدول المتقدمة في هذا العداء المعلن من خلال سياستها تجاه تلك الشعوب كما أسلفنا.
[33] يتجسد هذا التناقض في أحكام واجتهادات فقهية قائمة على عقيدة والولاء البراء التي تحدث قطيعة نهائية مع الآخر
[34] وذلك له سبب ايديولوجي إذ تعتبر تلك الجماعات كل مواطنين الدول الغربية ومن يواليها أو يعيش فيها هو هدف مشروع.
[35] اذ حكم العراق بيد من حديد ،فعمل على تصفية معارضيه وابادات جماعية استخدم فيها اسلحة ممنوعة دوليا كالتي أباد فيها معارضيه من الأكراد في مجذرة حلبجة.
[36] يعود هذا الخلاف الحدودي للعهد الاستعماري كما أسلفنا.
[37] شكل شعار العداء لإسرائيل التي رفعته إيران مبدأ صوري وظفته ايران من أجل إقامة مشروعها الامبراطوري في دول المنطقة ،إذ لم يمنعها عداءها المعلن لإسرائيل ومن ورائها أمريكا من عقد اتفاقيات شراء السلاح منهما، كما شكل نظام الأسد الحليف الإيراني أهم حامي للحدود الاسرائيلية عبر سنين طويلة ،ولعل أهم مقومات استمرار وجود نظام الأسد رغم الانتفاضة الشعبية التي يخوضها الشعب السوري ضده منذ خمسة سنين هي الدعم الايراني والروسي المعلن والاسرائيلي والامريكي والغربي غير المعلن
[38] وذلك للدعم العسكري الذي تلقاه أثناء الحرب الايرانية وتمرسه على القتال الذي دام لسنوات.
[39] إذ تبين فيما بعد زيف الإدعاءات التي قدمتها الادارات السياسية للدول الغازية التي أعلنت أن نظام صدام حسين يمتلك مواقع لأسلحة غير تقليدية .
[40] اذ تشير الدراسات المتخصصة في مراكز البحوث الاستراتيجية الى الدور الرئيسي التي تلعبه الانظمة الدكتاتورية في ظهور وتطور الجماعات الرادكالية ذات الفكر الجهادي .